العرب.. بعينيء ياباني محب!

(كثيراً ما واجهتُ هذا السؤال في البلدان العربية:

لقد ضربتكم الولايات المتحدة الأمريكية بالقنابل الذرية فلماذا تتعاملون معها؟

العرب عموماً ينتظرون من اليابانيين عداءً عميقاً لـ”أمريكا” لأنها دمرت المدن اليابانية كافة، ولكن طرح المسألة على هذا النحو لا يؤدي إلى شيء. علينا نحن اليابانيين أن نعي أخطاءنا في الحرب العالمية الثانية أولاً، ثم نصحح هذه الأخطاء. لأننا استعمرنا شعوباً آسيوية كثيرة. ثانياً وأخيراً علينا أن نتخلص من الأسباب التي أدت إلى القمع في اليابان وخارجها. إذن المشكلة ليست في أن نكره أمريكا أو لا. بل المشكلة في أن نعرف دورنا بصورة صحيحة ثم نمارس نقداً ذاتياً بلا مجاملة لأنفسنا. بعدئذ نختار الطريق الذي يصحح الانحراف ويمنع تكراره في المستقبل.

أعتقد أن القمع هو داء عضال في المجتمع العربي، لذلك فإن أي كاتب أو باحث يتحدث عن المجتمع العربي دون وعي هذه الحقيقة البسيطة الواضحة فإنني لا اعتبر حديثه مفيداً وجدياً، إذ لابد من الانطلاق بداية من الإقرار بأن القمع – بكافة أشكاله- ترسخ في المجتمعات العربية.. هل هناك فرد مستقل بـ”فرديته” في المجتمع العربي؟ “إنه” مشغول بفكرة النمط الواحد على غرار الحاكم الواحد والقيمة الواحدة.. ولذلك يحاول الناس أن يوحدوا أشكال ملابسهم وبيوتهم وآرائهم.

لا يشعر المواطن العربي بمسؤوليته عن الممتلكات العامة مثل: الحدائق العامة والشوارع ومناهل المياه ووسائل النقل الحكومية.. باختصار المرافق العامة كلها.. ولذلك يدمرها الناس اعتقاداً منهم أنهم يدمرون ممتلكات الحكومة لا ممتلكاتهم هم.. وهكذا يغيب الشعور بالمسؤولية تجاه أفراد المجتمع الآخرين.

علينا أن نقبل قيم المجتمعات الأخرى كما هي دون أن نشوهها أو نخفض من قيمتها على ضوء قيمنا نحن.. وعلينا إذن أن نرى المجتمعات الأخرى كما هي وأن نقبلها كما هي.

السيد تاناكا كان واحداً من أقوى الشخصيات التي شغلت منصب رئيس مجلس الوزراء عندنا واليابانيون أيدوه خاصة في منطقته، لأنه أوصل لها خط القطار السريع.. ولكن الشرطة اعتقلته من بيته وذهب إلى السجن بالقبقاب الياباني عندما اكتشفت الصحافة والبوليس فضيحة لوكهيد.. لم يستطع السيد تاناكا الهروب من المسؤولية فسجن وحُوكم كأي مواطن عادي.

في متحف عربي على حدود البادية كنت وحيداً أتأمل آثار تلك المنطقة الشهيرة، وفجأة ظهر أمامي شخص عرفت فيما بعد أنه موظف في المتحف نفسه.. وبلا مقدمات تكلم معي بالانكليزية همساً.. لقد كان يعرض عليّ أن اشتري سراً قطعاً أثرية.. لم أصدق أذني في البداية لكنه أكد لي بوضوح أنه يستطيع أن يؤمن لي قطعاً نادرة ولم ينس أن يؤكد أننا لن نختلف على السعر.

يراقب الوالدان الطفل ويدققان في قدراته في الموسيقى والعلم والرياضة.. هذه ظاهرة اجتماعية عامة في اليابان. في مجتمع البدو (العربي) مستقبل الأطفال واضح، الولد يصبح راعياً والبنت عروساً.. أما في مجتمع الفلاحين فالأمر متروك للمصادفة.

منذ عشرين سنة جاء إلى اليابان مدرس من مصر إلى طوكيو وأقام عندنا سنة.. كان لطيفاً مرحاً مريحاً في علاقاته معنا ولكنه كان في الوقت نفسه لاهياً إلى أقصى الحدود ومنغمساً في الملذات انغماساً لا يعرف الارتواء.. بعدئذ عاد إلى وطنه.. وعندما زرته في القاهرة دعاني إلى منزله.. تفاجأت بالتبجيل المضخم الذي يلقاه من زوجته وبنتيه.. لقد بدا لي الأب الذي يمثل في بيته الاستقامة والأخلاق الصارمة).

هذه مقتطفات من كتاب “العرب وجهة نظر يابانية” الصادر مؤخراً عن منشورات الجمل لمؤلفه المستعرب الياباني “توبو أكي توتوهارا” الذي قضى قرابة ثلاثة عقود من عمره في دراسة المجتمع العربي عن قرب ميداني واحتكاك إنساني، في مستوياته المدنية والريفية والصحراوية.. وهو من منطلق حبه للعرب يبدي هذه الملاحظات الجريئة على سلوكهم في شتى المظاهر.. لعلهم ينظرون إليها دارسين فاحصين ومصححين، وهم يمرون بأخطر منعطف في تاريخ وجودهم الحضاري.

أحدث التعليقات

الأرشيف

Newsletter
Ads
Comments
All comments.
Comments