أمس كتبت منتقداً تعلقنا العربي بشيخ القبيلة، عبر منظومة البطل في الحياة العربية.. وهي فكرة يمكن تتبعها منذ أيام صلاح الدين، إلى أيام الرئيس جمال عبدالناصر..
وبطبيعة الحال فحين أنتقد التجربة.. لا يعني تصفيتي أشخاصها..
أنا ضد هذه الثقافة منذ تفتح وعيي.
وبمناسبة مقتل الولدين الشريرين للوالد الأشر صدام حسين.. لعلي أوضح فكرتي:
ففي حياة عبدالناصر وبعد مماته، كتب الكثيرون عنه، عالميين وعرباً ومصريين، متفقين أو مختلفين، مع تجربته السياسية، إلا أن أعداءه قبل اصدقائه، لا يسعهم الطعن في مسلكه الشخصي.. فقد مات دون أن يترك وراءه ثروة، أو رصيداً في البنك.. وفي حياته عاش بسيطاً، وهو أبرز رئيس جمهورية، وقائد وطني لا في مصر والعالم العربي، بل ودول عدم الانحياز.
@ وحينما تعرض لرشوة أمريكية، في بداية الغزل بين القاهرة وواشنطن، إبان الخمسينات الميلادية، أمر بتحويل المبلغ إلى أمانة العاصمة، التي بنت به برج القاهرة كأبرز معلم سياحي، طالما شاهدناه في السينما المصرية، عنواناً لنظافة يد الرجل، وحرصه على كرامة بلده.
وعلى صعيد أسرته.. فزوجته فتحية كاظم، لم تمارس أي دور سياسي، كما فعلت جيهان السادات في عهد زوجها.. بل بدت في الاستقبالات والزيارات الرسمية، أماً مصرية متواضعة..
وعندما تزوجت بنتاهما هدى ومنى؛ لم تبد أعراسهما بالإسراف الفج، كما بدا في زواج عدي وقصي صدام حسين، وأولاد جمال عبدالناصر – في مقابل استئثار عدي وقصي بمفاصل السلطة في العراق – لم يتولّ أحد منهم أي منصب رسمي.. ولم يستغلوا مكانة والدهم الكبيرة، في اهتبال الفرص، وسرقة أموال الشعب، ومضايقة المواطنين في استثماراتهم.
@ وأتذكر في نهاية الستينات كيف أستقبل خالد الابن البكر للرئيس المصري استقبالاً حافلاً في بيروت، والفتى لم يكن سوى عضو طلابي في فريق كرة السلة، ذهب يلعب بهذه الصفة لا غير.. في حين لعب عدي وقصي بأحوال الشعب العراقي، مذيقين شبابه الويل، وأسرهم الثبور، لكل من لم يخضع لإرادتهما الشريرة.. فقد انتهكا شرف البيوت.. فضا بكارات العذارى، سجنا المعترضين، وقتلا المعارضين بلا شفقة.
ولأن الله سبحانه وتعالى يمهل ولا يهمل، فقد شاءت إرادته الحقة العادلة، أن يري العراقيين والناس أجمعين مآل الطغاة وهم أحياء.. وهذا هو اليوم صدام حسين، يتعذب يوماً بعد يوم وساعة إثر ساعة، منذ انفض سامر جلاوزة حكمه ومنافقي حماقاته.. تفرق شمل الأسرة المجرمة من بين يديه.. زوجته في واد وبناته في مكان آخر.. وولداه يلقيان ما يستحقان من مصير ماحق..
@ ولو تمكن الشعب العراقي خارج دائرة المتمصلحين. من نظام صدام، لأذاقهما ووالدهما ومن معهما، صنوف العذاب جزاءً وفاقاً..
هذا بينما تتنقل البنت الكبرى للرئيس جمال عبدالناصر الدكتورة هدى، في شوارع بلادها، أو بين عواصم دول العالم محاطة بالتقدير.. وقبل أسابيع كانت تشارك أكثر من مثقف عربي التأم شملهم في عاصمة بلادها.. بدت كواحد منهم بلا زيادة أو نقصان.. أدت دورها مداخلة ومنتقدة أوموافقة، على الأطروحات في مؤتمر المثقفين العرب.. وبعد انتهاء الجلسات، ركبت سيارتها البسيطة دون حرس، عائدة إلى بيتها بسلام ..
لم يعترض طريقها أحد.. لأنها واخوانها لم يعترضوا طريق أحد.