في أول جمعة بعد الجريمة الإرهابية التي وقعت على بلدة الدالوة الأحسائية الوادعة ليلة الثلاثاء الموافق للعاشر من شهر محرم وراح ضحيتها ثمانية من ابناء المنطقة صدر بيان بعنوان «سعوديون بلا أقواس»
وقع عليه أكثر من أربعين شخصية مدنية من القطيف وانفردت جريدة الشرق الأوسط بنشره. ركز البيان على التأكيد على الهوية الوطنية الجامعة وحث رجال الدين على مراجعة الخطابات الدينية التي من شأنها إذكاء نار الفرقة الطائفية ودعاهم للنأي بالمجتمع عن صراعات الطوائف وما يتبعها من فتن وقلاقل وفرقة، والكف عن ترويج خطاب الكراهية الذي بدوره يقود للتطرف الذي يعد طريقا لممارسة الإرهاب.
لقي البيان صدى طيباً من قبل النخبة المثقفة في المجتمع السعودي بشكل عام وأفرد له عدة كتاب مهمين مقالات خاصة، كما لقي انتشاراً كبيراً بين المغردين في تويتر وفي وسائل التواصل الاجتماعي، ولكنه كأي بيان أو عريضة أو مقترح شعبي يظل يفتقر إلى الفاعلية والتطبيق على الأرض إذا لم تتبنه المؤسسات الرسمية في الدولة ويظل مأسوراً بالقيمة النظرية فقط لمدة معينة من الزمن حتى يتلاشى ويختفي شيئاً فشيئا من ذاكرة الناس.
كنت ضمن وفد القطيف الذي استقل حافلة ظهر يوم السبت التالي لوقوع الحادثة وهي في طريقها إلى الأحساء لتقديم واجب العزاء لأهل وذوي الضحايا يتقدمنا عضو مجلس الشورى الأستاذ محمد رضا نصر الله والذي حرص على إلقاء عدة كلمات ونحن في طريقنا إلى سرادق العزاء الذي يبعد قرابة المائة وأربعين كيلو مترا عن القطيف، شدد محمد رضا نصرالله على التعاطي الاجتماعي الإيجابي مع تلك الحادثة غير المسبوقة في تاريخ المملكة وأثنى على الوعي الوطني الصادق والمسئول الذي تحلى به أهالي الأحساء والذي تمثل في تفويتهم الفرصة على منفذي الاعتداء ومحرضيهم من تجار الطائفية الذين أرادوا بفعلتهم هذه إيقاد نار الصراع الطائفي المسلح في المملكة. كان الأستاذ محمد رضا يجلس في أحد مقاعد الحافلة الأمامية ممسكاً بيده ورقتين وقلما يكتب شيئاً خلته رسالة أو مقالا أو مسودة لشيء ما.
وصلنا القرية التي أقفلت جميع مداخلها أمام السيارات لشدة الزحام ورأيت العشرات من الناس ومن مختلف المناطق يمشون سيراً على الأقدام متوجهين لخيمة ضخمة نصبها الأهالي لاستقبال المعزين، دخلنا أنا وبقية الإخوة إلى الخيمة وصافحنا أهل العزاء الذين رأيت دموع الحزن والفخر تختلط في أعينهم، بعد هذا استقل الأستاذ محمد رضا نصر الله منصة التأبين التي وضعت خصيصاً لإلقاء كلمات التعزية والمواساة.
أخرج تلك الورقتين من جيبه وأخذ يتلو ما فيهما من عبارات التعزية والمواساة والثناء على الأهالي والمجتمع المثكول بشهدائه، ثم اختلف المسار قليلاً عن رتابة التأبين ليقول: (أدعو مجلس الشورى، بوصفه مجلساً للتشريع وصناعة القوانين، أن يبادر من فوره نحو سنّ نظام واضح في مراميه وصارم في تطبيقاته مجرِّماً كل مثير للطائفية وأي متورط في فعلها)، ثم شدد على (ضرورة نزع أية كلمة طائفية من مناهج التربية والتعليم، وحذفها من أية وسيلة من وسائل الإعلام المرئي والمسموع والإلكتروني، ومصادرة أي كتاب أو مطبوعة، تدعو إلى الفرقة والتمييز الطائفي أو القبلي أو الإقليمي).
أحسست حينها أن «البرلمان» مجلس الشوري عكس نبض المجتمع وتلمس همومه كفرد منه يمثله أمام الحكومة، وشعرت أن بيان «سعوديون بلا أقواس» لقي طريقه بشكل أو بآخر إلى قبة مجلس تشريع الأنظمة والقوانين وتحول من مجرد صياغة نظري إلى واقع أتمنى أن أراه مطبقاً على أرض الواقع قريباً وخصوصاً أن نصر الله تحدث عن هذا المطلب في أول جلسة لمجلس الشورى بعد يوم التعزية وساندته في هذا المطلب زميلته ثريا عبيد.
بين بيان «سعوديون بلا أقواس» وكلمة عضو مجلس الشورى محمد رضا نصر الله يوم واحد فقط، قد لا يكون نصر الله دعا دعوته لتشريع قانون يجرم التمييز الطائفي بسبب البيان فهذا غير مهم، المهم هو أن الجميع توافق على الحاجة إلى مثل هذا القانون والنظام لحفظ الأمن الاجتماعي من الخطر الطائفي الذي تحول من مساجلات لفظية من على المنابر إلى عنف مسلح قد يزداد ويتشعب إذا لم يوضع له حد رادع لا هوادة ولا مجاملة فيه.
أتمنى أن يرى قانون التجريم الطائفي النور قريباً والذي أعتقد شخصياً أنه عامل واحد من عوامل كثيرة يجب تفعيلها مجتمعة لتحقيق الاندماج الوطني الحقيقي وعلى رأسها تنمية قطاع التعليم بمختلف مراحله وخصوصاً الديني منه والذي يجب أن يرسخ مبادئ احترام الآخرين المختلفين دينياً أو مذهبياً في نفوس الأجيال القادمة لتحقيق شراكة وطنية جامعة همها الأول تغليب مصلحة الأرض والوطن على أي مصالح فئوية أخرى.